تعد أول دراسة لقياس فقد وهدر الغذاء في دولة الإمارات، بقيادة مبادرة "نعمة"، خطوة هامة في جهود الدولة المستمرة للحد من فقد وهدر الغذاء على المدى الطويل
مقدمة: لحظة وطنية فارقة
استندت الجهود المتعلقة بفقد وهدر الغذاء على مدار الأعوام السابقة إلى تقديرات عامة، وفرضيات سلوكية، وبيانات مجزأة. ولأول مرة، تسلك دولة الإمارات طريقًا مختلفًا يعتمد على أدلة حقيقية وقابلة للقياس.
لذا؛ مع إطلاق دراسة خط الأساس لفقد وهدر الغذاء في دولة الإمارات، تضع الدولة نموذجًا يحتذى به على المستوى الإقليمي والعالمي. هذه خطوة أساسية لفهم الأبعاد الحقيقية لهذا التحدي، ودعوة لجميع القطاعات، من المنتجين إلى المستهلكين، لاتخاذ خطوات فعلية ملموسة.
أهمية خطوط الأساس
يبدأ التغيير المستدام بالالتزام بإجراءات واضحة وفعالة. فعلى سبيل المثال، في مجال العمل المناخي، يُعد خط أساس الكربون لعام 1990 مرجعًا لجميع الالتزامات العالمية. وبالمثل، في الأنظمة الغذائية، اعتمدت دول مثل الدنمارك واليابان وكوريا الجنوبية خطوط أساس وطنية لإعادة توجيه الجهود وإحداث تحول في وعي المجتمع.
بوجه عام، تُظهر خطوط الأساس الواقع الفعلي، وتحدد المناطق التي يشهد فيها فقد وهدر الغذاء أعلى المستويات، مما يجعلها نقطة انطلاق أساسية لتحقيق تغيير مستدام. كما تسهم في متابعة التقدم وفهم الأنماط السلوكية، مما يمكّن المجتمعات من التعامل مع فقد وهدر الغذاء بوعي وفعالية.
ويبقى دائمًا الأهم من كل ذلك، أن خطوط الأساس تعكس نية واضحة للتحسين، وكأن المجتمعات تقول: نحن نتابع، ونتحمل المسؤولية، وسنحوّل التزامنا إلى فعل.
ستُسهم دراسة خط الأساس لقياس فقد وهدر الغذاء في دولة الإمارات في تسريع التقدم نحو تحقيق مهمة مبادرة "نعمة"، المتمثلة في القياس والفهم والعمل الجماعي للحد من فقد وهدر الغذاء.
وتمثل هذه الدراسة نقطة تحول، حيث تنقل الدولة من مرحلة التقديرات العامة إلى الاعتماد على أدلة دقيقة، ومن الجهود الفردية إلى تحرك وطني منسق، يدعم أهداف الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، ويسهم في تحقيق الهدف 12.3 من أهداف التنمية المستدامة، الساعي إلى خفض فقد وهدر الغذاء عالميًا إلى النصف بحلول عام 2030.
ما يميز هذه الدراسة عالميًا؟
قلة من الدول أجرت دراسات وطنية شاملة تغطي مختلف القطاعات لقياس فقد وهدر الغذاء، وأقل منها من تمكن من توحيد بيانات القطاعين الحكومي والخاص عبر الأسر، والشركات، والزراعة، والضيافة، والمؤسسات.
ما تقوم به دولة الإمارات اليوم هو بناء صورة متكاملة للنظام الغذائي، ترصد فيها بدقة التفاصيل، ونقاط الهدر ، والسلوكيات المؤدية للهدرفي كل مرحلة من مراحل سلسلة القيمة الغذائية. وهذا ما يجعل من هذه الخطوة إنجازًا استثنائيًا على المستوى العالمي، وتطورًا تاريخيًا على مستوى المنطقة.
وتؤكد المقارنات الدولية مدى تفرد هذا النهج:
- ففي اليابان، بدأ تتبع فقد الغذاء منذ أكثر من عقدين، واستغرق تحويل النتائج إلى أثر وطني ملموس وقتًا طويلًا.
- أما في كوريا الجنوبية، لم يبدأ الرصد المتقدم إلا بعد إدخال تغييرات هيكلية واسعة.
- وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، ورغم تطوير أدوات موحدة للقياس، لا تزال البيانات المتسقة بين الدول تمثل تحديًا رئيسيًا.
وبناء على ذلك، تعد دراسة خط الأساس لقياس فقد وهدر الغذاء في دولة الإمارات دراسة متكاملة، تنسجم مع أهداف الاستدامة الوطنية، ويتم تنفيذها باستخدام منهجيات علمية دولية، بما يعزز من مصداقيتها وفعاليتها محليًا وعالميًا، ولذلك تتطلب مشاركة الجميع.
لكل قطاع دور في الحد من فقد وهدر الغذاء
يحدث فقد وهدر الغذاء على امتداد سلسلة القيمة ضمن قطاع الغذاء، ولكل قطاع دور في معالجة ذلك:

الأسر
ستفتح الأسر منازلها للسماح بقياس مباشر لهدر الغذاء اليومي، مما يساعد على عكس العادات الحقيقية، ومستويات الوعي، ونسبة الكميات المهدرة من الغذاء.

تجار التجزئة ومقدمو الخدمات الغذائية
سيشارك تجار التجزئة ومقدمو الخدمات الغذائية البيانات التشغيلية، والرؤى حول أنماط الطلب، ومعدلات التلف، وكيف تؤثر سلوكيات العملاء على فقد وهدر الغذاء.

المزارعون والموردون
سيساعد كل من المزارعين والموردين في تحديد نقاط الفقد أثناء مراحل الإنتاج، والحصاد، والتعبئة، والتوزيع، مبيّنين كيف تؤثر عوامل مثل المناخ واللوجستيات على النتائج

المؤسسات الكبرى
ستُوفر المؤسسات الكبرى إمكانية الوصول إلى بيانات المقاصف، وأنظمة المشتريات، والعمليات الداخلية، بهدف تقييم ممارسات تقديم الغذاء على نطاق واسع وتحسين كفاءتها.
من خلال مشاركة جميع هذه الجهات الفاعلة في قياس فقد وهدر الغذاء ومشاركة البيانات الفعلية خلال فترة مدتها 14 يومًا من 8 إلى 21 سبتمبر، ستُسهم الدراسة في وضع مؤشرات وطنية دقيقة.
وستقوم هذه المؤشرات بتوجيه عمليات تطوير البنية التحتية المستقبلية، وتحديد الإجراءات المناسبة، وتسليط الضوء على ما نحتاج لابتكاره، ودعم تغييرات السلوك، وبناء القدرات لقياس الأثر الحقيقي مع مرور الوقت.
معرفة للمستقبل
تُسهم هذه الدراسة في تمكين صناع القرار والمجتمعات وقطاع الأعمال من اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة. فهي ليست مجرد دراسة لمرة واحدة، بل تشكّل بداية لنظام مستدام يتيح تحقيق تقدم قابل للقياس على المدى الطويل، مع مشاركة النتائج على المستوى الوطني والدولي، بما يعزز من ترسيخ أفضل الممارسات العالمية.
المشاركة مهمة، سواء كنت تساهم ببيانات من منزلك أو تتواصل مع فريقك للتوعية، فإنك تساعد في تعميق فهم الاتجاهات التي ستشكل ملامح النظام الغذائي في دولة الإمارات، كما ستحدث تأثيرًا واسعًا، لتكون جزءًا من حركة وطنية ستقوم بصياغة الاستراتيجية الوطنية للحد من فقد و هدر الغذاء و تحول الانظمة الغذائية لتكون اكثر استدامة